مستقبل العربية في ظل العولمة
قد تهيأت الفرصة للغة العربية ، إبّان الفتح الإسلامي، لتتبوأ مكانة مرموقة بين لغات العالم، وإنما كان ذلك محمولاً على ارتباطها بالقرآن الكريم والدين الإسلامي. كما أنها ارتبطت بقوة المسلمين، بكل ما تحمله القوة من عناصر عسكرية واجتماعية ودينية وعلمية وثقافية. ولا شك أنها مرت بمراحل تراوحت بين الازدهار والتقهقر، ومرت بتجارب من الغزو الثقافي واللغوي، وتجاوز الأمر ذلك إلى الاضطهاد اللغوي أيام الترك والاستيطان الأوروبي، وما تزال تنافح الصهاينة في فلسطين. ومع كل ذلك خرجت العربية منتصرة ظافرة في كثير من المواقع وخسرت في مواقع أخرى؛ فقد خسرت في تركيا وماليزيا حيث استبدلت الحروف اللاتينية بالعربية .

ولا يخفى أن العربية، الآن في عصر العولمة، تواجه تحديات كبيرة جداً، تتمثل في تيار الإنجليزية الجارف، وتتمثل مظاهر العولمة اللغوية في العالم العربي في :
- التداول بالإنجليزية في الحياة اليومية .
كتابة لافتات المحالّ التجارية بالإنجليزية .-
التراسل ،عبر الانترنت والهواتف النقالة، بالإنجليزية . -
. اشتراط إتقان الإنجليزية للتوظيف -
. - كتابة الإعلانات التجارية بالإنجليزية
. - كتابة قوائم الطعام في المطاعم بالإنجليزية

هذا على المستوى الشعبي أما على المستوى الرسمي فقد كفلت كثير من التشريعات الحكومية في البلاد العربية موقعاً متفوقاً للغة الإنجليزية من حيث عدها اللغة الأجنبية الأولى في النظم التعليمية، حتى في البلدان العربية التي احتلتها فرنسا. وتتمثل هيمنة الإنجليزية في العالم العربي، كغيره من دول العالم، في ما يلي :
. 1- تعليمها في مراحل الطفولة المبكرة
2- استخدامها لغة رئيسة في التعليم الجامعي، ولا سيّما في العلوم الطبيعية والطبية والحاسوب والعلوم الإدارية والاقتصاد .
3- استخدامها لغة رئيسة في المدارس الخاصة؛ إذ تُدَرَّس بها جميع المواد حتى التربية الوطنية !
4- اعتمادها لغة رسمية في المعاملات التجارية والقانونية التي تنفذها الدولة والشركات والمؤسسات العامة والخاصة .

ومع حالة الاستنفار التي يتخذها المثقفون والأكاديميون إلا أن ما يبذل في خدمة العربية ما يزال دون الحد المؤمَّل، وليست الحكومات العربية كافلة للعربية ما كفلت للإنجليزية، ولعل العراق كان آخر قلاع العربية بعد أن صار محتلًا فلحق بفلسطين، فقد خسرت العربية حصناً من حصونها كان يصون العربية ويكفل بتشريعاته حمايتها .

وبالرغم من السوداوية والتشاؤم اللذين يسودان نفوس اللغويين والمفكرين العرب؛ فإنهم يتفاوتون في رؤيتهم لمستقبل العربية؛ فبعضهم يركن إلى الآية الكريمة"إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" دون عمل، كأنما يقول،على نهج البنيويين، دع العربية وشأنها، فإنها محفوظة !

ونرى هنتنغتون يخصص في كتابه"صدام الحضارات" هامشا مقبولاً لتناول اللغة من حيث إنها عنصر مهم من عناصر الحضارة ومكوناتها، ولما كان الرجل يتحدث عن الصراع الحضاري على التعميم فإنه كان يعني الصراع اللغوي على نحو أخص، ولما كان هدف كتابه أصلاً لفت النظر إلى "خطر" الحضارة الإسلامية القادم، فقد احتلت اللغة العربية هامشاً كبيراً من هذا التصور؛ إذ`هي مكون هام من مكونات الدين الإسلامي وعامل رئيس من عوامل التوحُّد بين المسلمين. ولما كانت فكرته قائمة على أن توزيع اللغات وتزايد انتشارها أو تناقصه مرتبط بتوزيع القوى، كان طبيعياً أن يتوقع تزايد قوة العرب والمسلمين .

ويأتي رأي الاديب الإسباني "كاميليو جوزي سيلا"، وهو الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1989، ليثير كثيراً من الجدل في الأوساط الغربية ولا سيما دعاة العولمة؛ ومفاد هذا الرأي أن لغات العالم تتجه نحو التناقص، وأنه لن يبقى إلا أربع لغات قادرة على الحضور العالمي، هذه اللغات هي: الإنجليزية والإسبانية والعربية والصينية. وقد بنى "كاميليو" رأيه على استشراف مستقبلي ينطلق من الدراسات اللسانية التي تعاين موت اللغات وتقهقرها واندثارها .
ويتخذ عبد السلام المسدي من رأي "كاميليو" منطلقا ًلتناول القضية ؛ إذ يؤمِّل ان تكون العربية واحدة من اللغات العالمية التي سيكتب لها البقاء. ويرى أن اللغة العربية قد تشكل ، في طموحاتها المستقبلية، أخطاراً حقيقية على دُعاة العولمة الثقافية وسياساتهم التهميشية، وذلك مردود إلى جملة أسباب،هي :
1- احتمال تزايد الوزن الحضاري للغة العربية في المستقبل المنظور فضلاً عن البعيد.....فاللسان العربي هو اللغة القومية لحوالي 270 مليوناً، وهو يمثل إلى جانب ذلك مرجعية اعتبارية لأكثر من850 مليون مسلم غير عربي كلهم يتوقون إلى اكتساب اللغة العربية؛ فإن لم يتقنوها لأنها ليست لغتهم القومية فإنهم في أضعف الإيمان يناصرونها ويحتمون بأنموذجها .
2- ولكن العربية تخيف أيضاً بشيء آخر هو ألصق بالحقيقة العلمية القاطعة، وأعلق بمعطيات المعرفة اللسانية الحديثة، فلأول مرة في تاريخ البشرية، على ما نعلمه من التاريخ الموثوق به، يكتب للسان طبيعي أن يعمر حوالي سبعة عشر قرناً محتفظاً بمنظومته الصوتية والصرفية والنحوية فيطوعها جميعاً ليواكب التطور الحتمي في الدلالات دون أن يتزعزع النظام الثلاثي من داخله .
4- أن اللسان العربي حامل تراث، وناقل معرفة، وشاهد حيٌّ على الجذور التي استلهم منها الغرب نهضته الحديثة في كل العلوم النظرية والطبية والفلسفية .

ولما كانت العولمة تسعى إلى أمركة كل شيء، ولما كان خطاب هنتنغتون يشير ضمناً إلى تعاظم خطر العربية، فإنه كان طبيعياً أن يتواطأ الخطاب الثقافي والسياسي الأمريكي مع أداته الإعلامية ليخلق صورة مفتعلة من الصراع بين الحضارة الغربية والإسلام. وتبرز أمثلة هذا التواطؤ في دلالة "الإرهاب" . يقول المسدي : الإرهاب في خطاب هؤلاء الإعلاميين المتحيزين كما في خطاب( نتنياهو) و خطاب سادته وكبرائه يقدم بعد تشغيل آليات اللغة والسياق والمقام حتى يتم الاقتران الذهني والتوالج النفسي فيتحقق الارتباط، اللاواعي ثم الواعي، بين صورة العربي وصورة الإرهاب. وهذه العملية اللغوية الذهنية النفسية الثقافية هي التي يتم تشغيلها لإحداث اقتران مبطَّن آخر يجمع بين صورة العربي وصورة المسلم ذهاباً ويجمع بين صورة المسلم والعربي إياباً، ثم يمعن الخطاب المخاتل في مزج الأخلاط داخل سلة واحدة هي سلة الإرهاب.وحيث إن كل عربي فمرجعه القومي هو اللغة العربية وإن كل مسلم فمرجعه الاعتباري هو أيضاً اللغة العربية بما هي لغة النص المؤسس فإن اللغة العربية_في استراتيجية الخطاب الكوني المتسلط_ تصبح هي الشرارة الكهربائية المولدة للطاقة الإرهابية .

المصدر:
منتديات مأرب http://www.mareeb.net/vb/index.php
المصدر: منتديات يل - من قسم: منتدى الفصحى


gyjd hguvfdm >> Ygn Hdk ? lsjrfg hggymK hgu,glm gyjd hguvfdm